معارك عنيفة في “بحري” بالعاصمة السودانية وطلعات مكثفة للطيران الحربي
العطش ينذر بكارثة في المدينة.. وأسر محاصرة بدأ الجيش تحريرها
الراصد الإثيوبي- هيثم عثمان- السودان
الأربعاء 10 مايو 2023
دارت معارك هي الأعنف يوم الأربعاء، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة بحري ‘إحدى مدن العاصمة الخرطوم الثلاث”.
وتتمركز بشكل كبير قوات الدعم السريع في قاعدة لها بمعسكر “المظلات” وحي ‘كافوري” والشوارع الرئيسية للمدينة المحاصرة منذ 25 يوماً بقوات كببرة من الدعم السريع.
وبدأت القوات المسلحة السودانية عملية تعد الأكبر في المدينة منذ اندلاع الاشتباكات في 15 أبربل/ نيسان الماضي.
وبدأ هجوم الجيش عبر طلعات مكثفة للطيران الحربي الذي قصف تمركزات للدعم السريع.
ولحق بالطيران عدد كبير من المشاة والمدرعات من حي الحلفايا حتى شمبات.
وقال شهود عيان، إن العملية التي استمرت ساعات شهدت مواجهات عنيفة بين الطرفين وسط تقدم لافت للجيش.
لعنة الماء
غادر السر محمد، منزله في أحد أحياء بحري القديمة المحاصرة بقوات الدعم السريع، بعد صلاة الفجر لجلب الماء من النيل.
قطع السر، مسافة كيلو متر لكنه اصطدم باتكاز للدعم السريع، والسؤال عن وجهته، أجابهم بأن لديه أطفال صغار يريد جلب الماء.
منذ الخامس عشر من ابربل الماضي، انقطعت امدادات المياه في أحياء بحري (الأملاك- الختمية- الدناقلة- حلة حمد- حلة خوجلي- الصبابي- الشعبية-المزاد- الصافية- المغتربين- شمبات). وأجزاء أخرى في الحلفايا والدروشاب والكدرو.
وبعد 24 يوما من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وجد سكان تلك الأحياء بخلاف انعدام المياه والكهرباء وإغلاق المحلات التجارية، انفسهم محاصرين داخل منازلهم بعد نشر الدعم السريع لجنوده في الشوارع والأزقة والمنازل.
يسيطر جنود الدعم السريع على كل تلك الأحياء التي يوجد سكانها معتقلين داخل منازلهم دون ماء أو كهرباء وتشكل رحلة قصيرة لجلب الماء خطرا كبيرا على الحياة.
ودخل الجيش في محاولة لطرد قوات الدعم السريع من الأحياء القديمة لبحري بعد مرور 24 يوما واكتفي في وقت سابق بمناوشات اعتبرها خبراء عسكريون بهدف تشتيت القوات وانهاكها تمهيداً لحسمها.
تحمل تلك القوات المصنفة عند الجيش بالمتمردة أسلحة مختلفة الثقيلة منها والخفيفة وتجوب بها شوارع المدينة المحاصرة وسط انتهاكات واسعة واعتداءات على السكان والمنازل والمارة والمحلات والشركات التجارية.
دمر الصراع نسبة كبيرة من المنطقة الصناعية في بحري والتي كانت إحدى ملاذات السكان القربيبن لجلب الماء من المصانع التي تتوفر بها آبار أو خزانات ضخمة وبات الذهاب إلى هناك في ظل تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار اللصوص والعصابات كاختيار الجحيم واقتصار العمر أو الانتحار.
ومع إغلاق خيار المنطقة الصناعية لجأ السكان لبعض الآبار القديمة في المدينة والتعرف عليها من خلال بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لكن مع انقطاع الكهرباء توقف عملها وحاول البعض إحضار مولدات لكن ذلك لم يستمر طويلاً لانعدام الجازولين لتشغيلها.
اوضاع مأساوية
في حيرة، تصف سيدة تسكن حي الشعبية للراصد الإثيوبي، الوضع بالخطير بعد مرور 24 يوماً من الحرب وانعدام سبل الحياة بشكل مخيف.
تقول السيدة (م) إن لديها ثلاثة أطفال وزوجها يعمل في إحدى دول الخليج، وباتت محاصرة مع أطفالها بدون ماء أو طعام أو مال لصعوبة وايقاف عمليات التحويل النقدية وتعتمد على جيرانها الذين يتقاسمون معها بعض الطعام وما يستطيعون جلبه من ماء.
وتتابع: “حياتنا دمرت وتوقفت بفعل حرب البرهان وحميدتي ليس لدينا شئ لا اعرف كيف أطعم أطفالي لولا لطف الله والجيران لكنا متنا من الجوع والعطش.. لا استطيع ترك أطفالي لوحدهم والذهاب لجلب الماء حتى إني لا أعرف مكان يوجد فيه ماء”.
وتصمت برهة ثم تضيف: ” أتمنى أن لا تكتب بعض كلامي وتحذف الأخر أرجو أن تنقلوا معاناتنا وحديثنا كما هو إني أسال الله أن ينتقم شر انتقام من قادة الجيش والدعم السريع”.
أيام الرعب
في داخلية ببحري، كانت (ن) و(ف) يغطون في النوم عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع قبل أربعة أسابيع.
تحكي الطالبتتين الجامعيتين ظروفا قاسية عانين منها ورحلة مرعبة لولاية قريبة للوصول إلى أهلهم.
تذكر (ف) إنهما فزعا من أصوات الرصاص والمدافع لكنهما حاولا التماسك ومعرفة ما يجري.
بعد علمهما بما وقع، قالت إنها طلبت من صديقتها أولاً الاتصال بالأهل ثم ترتيب أساليب حماية لغرفتهما والتفكير لاحقاً في الخطوة المقبلة.
شرعت الطالبتين في اغلاق بعض الأبواب ودخلتا في رحلة الانتظار.
بدأت صديقتي بعد قليل في الانهيار كما تقول (ف) مع اشتداد المواجهات في الشارع كنا نرى على التلفاز انفجارات ونيران كثيفة وأكثر ما كان يرعبنا هو الطيران الحربي الذي يجول في روؤسنا.
بدأت معاناة الطالبتين بعد ثلاثة أيام من اندلاع الحرب، حيث نفدت المياه لديهما وبدأتا التفكير في جلبه، في وقت تتمركز فيه سبارات عسكرية مليئة بالجنود والعتاد العسكري تحت مبنى الداخلية.
اجتمعت الزميلات في الداخلية وكان عددهن 11 طالبة قررن الذهاب أربعة منهن للارتكاز الذي نصبته قوات الدعم السريع بجوارهن والتحدث إليهم وطلب السماح لهم بالذهاب لشراء أو جلب الماء والطعام.
تقول (ف): “كنا نرتجف ونحن نمر بين السيارات والجنود ينظرون إلينا وفجاءة صاح أحدهم.. أنتم أين تذهبون.. اجبناه برغبتنا في الاستئذان لجلب ماء صاح بقوة ارجعن لا ماء ولا شئ هذه منطقة اشتباك ستموتوا”.
تؤكد (ف) أن الخوف والرعب جعلهن لا يتحركن بعد حديث جندي، ثم توجه إليهن جندي أخر وقال لهن إن الوضع خطير جدا يمكنكم الذهاب لكن لن تعودا هناك مواجهات ورصاص سنعطيكن بعض الماء وارحلن فوراً”.
وتكمل: “حمل الجندي مع إحدى السيارات من قوارير الماء ثم طلب من زميله جلب أكياس أو أي شئ لوضعها فيه ولم يجد زميله طلب من زميلاتي خلع طرحتها وهنا اصابنا الرعب لكن قال لها نريدها لوضع القوارير عليها وبالفعل قام بربطها ووضع عليها كمية من القوارير وطلب منا المغادرة فوراً.
أخذت (ف) وزميلاتها الماء وعدن للداخلية، وبعد يومين نفد مجددا الماء ولم يكن أمامهم خيار هذه المرة غير المغادرة لذويهم في الولايات.
توقفت عدة مستشفيات عن الخدمة في بحري بسبب انقطاع الماء والكهرباء بدأ السكان في جلب الماء من خزانات كبيرة في مستشفى أجمد قاسم لكن سرعان ما نفد.
وباتت الصلاة في المساجد أو البيوت في المدينة المحاصرة بالتيمم فقط لانعدام الماء.
يقول محمد المصطفى الحاتم، أمام أحد المساجد، أن المصلين يواجهون مشكلة كبيرة في الوضوء مع انعدام الماء ولجأ الكثيرين للتيمم كما أمر الدين.
في بحري القديمة ايضا توقفت جميع المخابز لانعدام الماء الذي يعد مكونا اساسيا في صناعة الخبز.
حاول بعض أصحاب المخابز جلب الماء من مناطق أخرى لكن لخطورة الطريق رفض سائقي التناكر توصليها كما يقول يس عمر، صاحب أحد المخابز.
يتراوح حالياً شرب الفرد يوميا للماء بين سكان بحري بين كوبين أو ثلاث خلال اليوم بسبب انعدامه كما تذكر مروة أحمد.
وتنوه في حديث للراصد الإثيوبي، إلى توزيع وقسمة ما يوجد من ماء بعد جلبه بين أفراد الأسرة مع زيادة حصة الأطفال وكبار السن.