القرن الافريقي التحديات وإستحقاقات السلام
القرن الافريقي التحديات وإستحقاقات السلام
هاشم علي حامد
صحفي-باحث في شئون القرن الافريقي
الجمعة 9 سبتمبر2022
– الواقع الجديد لمنطقة القرن الافريقي أفضى الى تحديات جديدة سواء في نزاعات محلية داخل الدول،او اقليمية بينها.
– القرن الإفريقي وفق التحديد الجغرافي يجمع كثافات سكانية ذات هوية عرقية ودينية موحدة وثقافات متشابهه.
– يُمثل تداخل منطقة القرن الافريقي مع المنطقة العربية عبر خليج عدن، والجزيرة العربية بعدا هاما أعطي المنطقة زخمها.
– تجربة السلام الاثيوبية التي يقودها رئيس الوزراء ابي احمد دلالة على قناعة (السلام) كهدف استراتيجي يتحقق به اجماع ووحدة ،واستقرارالدولة.
تُشير وقائع الاحداث التي مرت على منطقة القرن الافريقي ضمن التنافس الغربي اثناء وبعد الحرب العالمية الثانية(1939-1945م) الى الظروف الجديدة التي إنتقلت اليها المنطقة في حيثيات الارض والحدود، والتأثير الثقافي الذي إنعكس على السكان، فضلا عن التنافس الإقليمي لدول المنطقة التي أخذت استقلالها من الدول المستعمرة. الواقع الجديد لمنطقة القرن الافريقي أفضى الى تحديات هي الاخرى جديدة سواء في نزاعات محلية داخل الدول،او اقليمية بينها، فضلا عن تحالفات وعلاقات مستحدثة مع القوى الدولية.
الامتداد الجغرافي
اصطلح العرف السياسي على تحديد القرن الافريقي في دائرة تضم العديد من الدول وفق تعريفات متعددة، وتصف بعض المصادر منطقة القرن الإفريقي كونها أشد مناطق الصراعات سخونة في العلاقات الدولية، نظرًا لعوامل كثيرة فبلدان المنطقة تعاني صراعات سياسية عميقة في إطار بيئات إقليمية تسودها تجاذبات الهوية، وتباين الايدلوجيات،وعلى المستوى الداخلي تنازع عرقيات وشح الإجماع الوطني.
وتُجمع الاراء ان منطقة القرن الافريقي ( Hornof Africa)هي المنطقة الواقعة على مضيق باب المندب من الساحل الأفريقي، وهي التي يحدها المحيط الهندي جنوبا، والبحر الأحمر شمالا، وتقوم عليهاحاليا أثيوبيا التاريخية(اثيوبيا واريتريا) وجيبوتي، و الصومال ويدخل فيها بعض الجغرافيين السودان وكينيا.
وهي تمثل بعد إستراتيجي بالنسبة لآسيا وأفريقيا،وتبلغ المساحة الكلية لهذه المنطقة حوالى ستمائة وثلاثين الف ميل مربع أو ما يزيد عن المليون ونصف كيلومتر مربع وفق بعض الاراء.
ويقول بعض الباحثين إنه وفقا لهذا المفهوم فإنها تمثل منطقة شرق أفريقيا المتحكمة بمنابع النيل والمسيطرة على مداخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهي إن لم تكن جزءا رئيسيا من القرن الأفريقي فهي امتداد حيوي له..
يمتد نطاق القرن الأفريقي ليضم السودان وكينيا وأوغند ولعل هذا المعنى الأخير هو الذي يدخل في إطار سياسة الولايات المتحدة الاميركية التي تُروج لها في الآونة الأخيرة لإقامة منطقة القرن الأفريقي الكبير.
وثيقة بريطانية وردت في وثائق الأرشيف السوداني بدار المحفوظات البريطانية، وهي عبارة عن خطاب موجه من المفوض البريطاني في أديس أبابا “ويلغرد تسيجر” إلى حاكم عام السودان في ظل الحكم الثنائي المصري البريطاني للسودان مؤرخ بتأريخ: 11/10/1917. وقد عرضت الوثيقة تصوراً شاملاً لمنطقة القرن الإفريقي ضامة كل من السودان وكينيا لدوله لاعتبارات عرقية.
البعد العربي
إكتسب القرن الأفريقي أهميتة الحيوية لإطلالة بعض دوله على المحيط الهندي، وتحكمه في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب. وترجع المصادر التاريخية تحديات القرن الافريقي في بعدها الجغرافي العربي الى زمان موغل في القدم، بحيثيات الصراع في منطقة البحر الاحمر بين القوى الدولية,قوى الغرب الزاحفة إلى الشرق المتمثلة بالإسكندر ثم روما وبيزنطية من جهة وقوى الشرق الإيرانية من بارثيين وساسانيين من جهة أخرى. وفي التاريخ الحديث والمعاصر، بقي البحر الأحمر محوراً مهمًا في الصراعات المحلية والدولية للسيطرة عليه،فكان في بداية القرن السادس عشر هدفًا لمشاريع البرتغال التجارية والإستعمارية، وفي أواخر القرن السابع عشر أصبح محط أنظار نابليون مع مقدم الحملة الفرنسية عام 1798. وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869م، وقع البحر الأحمر مباشرةً تحت تأثير سياسات دول أوروبا الإستعمارية التوسعية في حينه وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.
وتشير المصادر التاريخية الحديثة أنه بعد اكتشاف النفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج؛ أصبحت هذه الأخيرة منطقة مصالح حيوية بالنسبة للدول الصناعية “كان اكتشاف النفط في الجزيرة العربية للمرة الأولى قد تم في أرض البحرين عام 1932م ومتزامنًا مع انهيار تجارة اللؤلؤ الطبيعي بسبب اكتشاف اللؤلؤ الصناعي وانتشاره، حيث كانت تعتمد البحرين على تجارة اللؤلؤ في اقتصادها الوطني ، ففي عام1925م منحت الحكومة البحرينية أول امتياز للتنقيب عن النفط ، وفي عام 1929م تأسست شركة نفط البحرين المحدودة كأول شركة نفط في الجزيرة العربية، وظهر النفط البحريني بكمية تجارية في يونيو عام 1932م من بئر جبل الدخان.
وبالتالي ازدادت قيمة الممرات المائية السالفة الذكر؛ حيث أنّ منطقة منابع النفط لا تقل أهمية عن ممرات نقله، وازدادت قيمة منطقة القرن الإفريقي كمنطقة تطل وتتحكم بهذه الممرات ومقابلة لمنطقة مصالح حيوية عالمياً. وفي هذا الإطار يقول الرئيس الأمريكي الأسبق “ريتشارد نيكسون” “يجب أن نتعامل مع المصالح الثانوية أحياناً وكأنها مصالح حيوية”، وعليه، إذا كانت دول القرن الإفريقي لا ترقى إلى مرتبة المصالح الحيوية للولايات المتحدة، فهي تأتي دون شك في المرتبة الثانية، أي ضمن المصالح الثانوية، وبالتالي يتم التعامل معها أحياناً من قبل الولايات المتحدة في إطار المصالح الحيوية لها.
هناك من النظريات ما تربط بين سواحل البحار ونشأة الحضارات يقول جون آر غيليس “إنطلق أفراد الانسان العاقل في رحلتهم الملحمية من سواحل افريقيا سائرين على طول سواحل الجزيرة العربية والهند قبل أن يتوزعوا ويملآوا بقية العالم. يضيف “نادرا ما أبحروا بعيدا عن مرآى اليابسة.بالنسبة الى الإغريق القدماء كان المتوسط أقرب الى ان يكون بركة ماء اكثر منه محيطا. ويختم آرغيس” ان جذورنا موجودة مع ما أسمته راتشيل كارسون الام العظيمة للحياة ( البحر) غير أن تاريخنا اللاحق كان أكثر برمائية من كونه مائيا.”فالموطن الحقيقي للبشرية هو حيث تلتقي اليابسة والماء موضع ولادة الحضارة.” وضمن هذه الحيثية تظل منطقة القرن الافريقي بوصفها الجغرافي منطقة حيوية لا يتضعضع وضعها في السياسة الدولية مهما يحدث من متغيرات في موازين القوى.
يقول د.صلاح الدين الدومة في كتابه أمن القرن الافريقي “رغم التطور التكنولوجي الهائل الذي طرأ على التسليح ووسائل ادارة الصراع العسكري الا ان المناطق الاستراتيجية من وجهة نظر الجغرافيا العسكرية لايمكن ان تفقد اهميتها الحيوية بسهولة، والقرن الافريقي من المناطق الاستراتيجية.
مشاكل عالقة
وتُعتبر منطقة القرن الافريقي من المناطق الافريقية الهامة لما تجمعه من دول متعددة، وتحتله من منطقة إستراتيجية، وتُشكله من بورة صراع ظلت متوترة على مدى طويل خلال القرن الماضي جراء الحرب الاهلية الصومالية، والحرب الاريترية- الاثيوبية. وتُشير هذه المصادر أنه ومنذ ما يقرب من قرن ونصف كانت منطقة القرن الإفريقي مسرحًا لصراعات القوى الدولية منذ أن نشأت الرغبة لدى بريطانيا للسيطرة على البحر الأحمر في إطار خطتها الشاملة لتأمين خطوط الإمداد بينها وبين الهند، بعد إفتتاح قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر،حيث تزامن ذلك مع المحاولات الدؤوبة للأسرة العلية في مصر للسيطرة على مياه النيل ومنابعه في هضبة الحبشة والبحيرات العظمى في وسط القارة الإفريقية.
ورغم ما ظلت تمثله المنطقة من أهمية إستراتيجية في حسابات القوى الدولية الا أنها لفتت إنتباه العالم حديثا خلال الحرب الاهلية الصومالية بداية الألفية الثانية حينما تأثر العالم مباشرة بأعمال القراصنة الصوماليين الذين أخذوا يهددون الملاحة العالمية في المحيط الهندي،وإستطاعوا فرض شروطهم على الكثير من الدول في دفع ملايين الدولارات كفديات للسفن التي يسيطروا عليها.
وتشهد المنطقة حاليا واقعا جديدا بعد جملة المتغيرات سواء في القارة الافريقية أو الشرق الاوسط، ظرفا يتطور في تعامله عبر تكتيك جديد تتخذه القوى الدولية ضمن الحيثيات المحيطة، ويلقي بتأثيراته على كلتي المنطقة العربية والافريقية.
فبعد رحيل الاستعمار الحديث عن القرن الافريقي ظلت هناك العديد من التحديات تواجه دوله جراء توريثه مشاكل عالقة في الحدود والثروات، أدت الى مشاكل وتنافسات لا تزال متفاعلة بين دول المنطقة. ورغم ما وجدته بعض المشاكل من إتفاقات هشة، فلا تزال الكثير منها عالقة لم تُطوى صفحاتها لتمثل توترا باقيا سواء في العلاقات بين دول المنطقة، الى جانب جذبها تحالفات سالبة لتنعكس علي قضايا أخرى ضمن مجريات الظروف المحلية والاقليمية.
السكان والتحديات
يجمع القرن الإفريقي وفق التحديد الجغرافي والسياسي كثافة سكانية ذات وهوية دينية موحدة بجامع الاسلام وثقافات متشابهة، تشكلها قبائل الأرمو،والجالا في إثيوبيا،والصومال،والامهراباقليم وللو بشرق اثيوبيا،وإينفدي
بكينيا،والعفر،والعيساويين،في جيبوتي،وإريتريا،والبجة الموزعين بين
إريتريا،وشرق السودان،وغيرهم من الأجناس التي تضم نسبا متفاوتة من المسلمين،وشكلت مجموع هذه القبائل في الماضي ما عرف في التاريخ بممالك الطراز الإسلامي.
وتُشير دراسات أن بُعد حيوي مؤثر على منطقة القرن الافريقي اصبحت تُشكّله دول كمصر والمملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج العربي،ونشاط يجمع بين التأثير الثقافي والسياسي خاصة فيما ظلت تلعبه المنطقة العربية من ادوار هامة لتحقيق مصالح أنية ومستقبلية. ولا يخفى ضمن تدافعات المنطقة عامة أيادي القوى الدولية التي تتوحد عندها الخرط السياسية الجغرافية مع المصالح ونزوات السيطرة، ليرتسم ذلك في ادوار ومخططات تدفع بها لدول منطقة القرن الافريقي وما يجاورها،مما يُؤدي بين الحين والآخر الى توترات تعانيها المنطقة وتلقي بتإثيراتها على المستقبل.
وكما اوضحنا يُمثل تداخل منطقة القرن الافريقي مع المنطقة العربية بعدا حيويا أعطي المنطقة منذ القديم زخمها في إهتمامات القوى الدولية التي ظلت وعلى مدار التاريخ مهتمة بها،وذات نفوذ مرتبط فعليا بها. وضمن اهم المتغيرات التي تدفع بواقع جديد (مشروع سد النهضة الاثيوبي) الذي يأخذ الآن حيزا هاما في منطقة القرن الافريقي بامتدادها الواسع ويلقى بتأثيراته هنا وهناك وقد اصبح معلما سياسيا هاما لايمكن تخطيه في تعاملات المنطقة الحالية والمستقبلية. وربما يؤرخ لمرحلة جديدة في كآفة تعاملات القارة الافريقية ومنطقة شرق افريقيا على وجه الخصوص.
السلام والإستقرار
تظل منطقة القرن الافريقي تبحث عن استقرار في ظروف الحراك السياسي، والتنافس الاقليمي، والاستهداف الدولي. ولا يتحقق لها هذا الإستقرار الذي يُمثّل غاية مرجوة إلا في ظل (السلام المحلي) داخل دول المنطقة، وايجاد صيغ حلول لاشكاليات العرقيات والتباينات،وإرساء الظرف السياسي المتصالح مع البيئات السكانية عبر توجهات سياسية يتحقق بها سلام يستجيب لطموحات التبايات العرقية وخاصة في أهم دولتين من دول المنطقة هما اثيوبيا والسودان.
وفي نهج السياسة التي تقودها الحكومة الاثيوبية برئاسة رئيس الوزراء الدكتور ابي احمد تأتي قناعة (السلام) كهدف استراتيجي يتحقق به اجماع ووحدة واستقرار الساحة الاثيوبية، ورغم ما تواجهه الحكومة الاثيوبية من صعوبات نتيجة تشدد الجهات المتمردة الرافضة لمبدأ السلام يظل السلام كغاية منشودة لا تتوقف مسيرته مهما واجهته من ظروف.
ولعل نجاح التجربة الاثيوبية في السلام المأمول يعطي دفعا قويا للمنطقة نحو الاستقرار واحتزاء سبيل السلام كهدف منشود. فنجاح الدول الافريقية في إستيفاء استحقاقات السلام داخل مجتمعاتها، يمثل تفويتا لفرص اي تدخلات خارجية سالبة ،ومن ثم الانتقال من واقع الدولة الى إطار الاقليم في العلاقات الدافئة،والتعاون والاعمال المشتركة في التنمية والمصالح المتبادلة لصالح شعوب المنطقة كآفة.
فالقارة الافريقية وعبر التجارب التي عاشتها في الماضي والحاضر إستيقنت أن السلام الذي يرتكز على تعامل إنساني متسامح، في إطار تفاهم وأهداف مشتركة هو الوسيلة والغاية التي تؤدي الى تحقيق الإستقرار،وتحقيق حضارة مطمئنة. وتبقى فوق قدرة القوى الدولية الطامعة ومؤمراتها في الداخل والخارج حسابات الكون وفق إرادة الله تعالي الغلابة في البشر والأزمان.
مصادر
– – http://www.marefa.org/%D9%82- قرن افريقي
– – تحديد وأهمية منطقة القرن الافريقي تغيير- نتhttp://www.al-tagheer.com/art30564.html
القرن الإفريقي – أهميته الإستراتيجية وصراعاته الداخلية
– المعرفة
د. جلال الدين محمد صالح
7/11/2013
– د.حسن مكي محمد احمد- السياسات الثقافية في الصومال الكبير(1887-1986) المركز الاسلامي الافريقي الخرطوم-ص 18
https://www.alukah.net/culture/0/62200/#ixzz5YT5kTVSL-
الموقع الرسمي للجيش اللبناني
https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%
– الصراع على البحر الأحمر: حقبة ما قبل 1980
إعداد: العميد الركن الدكتور محمد صبحي الحجار
– أمن القرن الإفريقي في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية 2015
https://rouyaturkiyyah.com/research-articles-and-commentaries/%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-
(4)القرن الافريقي اهمية متعاظمة وصراعات مستمرة
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2018/2/23/%D8%A7%