هجرة العقول
حذيفة محمد زكريا-كاتب سوداني
الراصد الإثيوبي -السودان
الأثنين 20 نوفمبر 2023
لقد تعرض السودان منذ زمن بعيد لاستنزاف في طاقاته المادية والاقتصادية والاجتماعية، وهو استنزاف أضعف الوطن ومزق كياناته الاجتماعية والثقافية وعطل تطوير العقل وتنمية العلم والإنسان وأثر بشكل مباشر على عدم فرض هيبة الدولة وسيادة حكم القانون وان الاستنزاف لم يكن معزولاً عن التفكير السلطوي الاستبدادي الذي تحكم في ثقافة المكان والزمان، وأدى إلى شيوع ثقافة اللامبالاة تجاه ظواهر الحياة بمعنى أن خسارة المجتمع من جراء الاستنزاف المجتمعي الذي يحدث دوما بسبب ضعف بعض الأحزاب السياسية وتخوينها ضد بعض واطماع بعض الجهات العسكرية في السلطة بواجهات سياسية وعدم فعاليتها في إدارة الأزمات، وابتكارها أساليب علمية لمواجهتها، واستشرافها للمستقبل.
وترجع أسباب هجرة العقول السودانية و كوادرها الشبابية إلى الدول الأوروبية والأجنبية إلى عدة عوامل ، فإلى جانب العوامل الاقتصادية هناك عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية
كما أن ما تقدمه الدول المتقدمة من تسهيلات للكفاءات المهاجرة من الشباب السوداني يشجع على الاستقرار بالخارج، وإذا أضفنا إلى ذلك سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية فى الكثير من السودان ونقص الإمكانيات والحريات للعمل لأمكن أن نفهم أثر ذلك فى طرد العقول إلى الخارج .
كما أنه يمكننا القول أن تدفق الكفاءات والعقول الفكرية إلى الدول المتقدمة هو أحد أثار التقسيم الدولى للعمل ، والنظام الاقتصادى العالمى غير المتكافئ ويعمل هذا التدفق أو النزيف للعقول على إثراء ما لدى البلدان المتقدمة من عوامل إنتاج دون أن تتحمل هذه الأخيرة أية تكلفة .
وإذا كانت الهجرة تؤدى إلى كسب فى الدخل بالنسبة للمهاجر فإنها تؤدى فى المقابل إلى خسارة فى الدخل بالنسبة للسودان الذي يعاني الكثير.
إن هجرة العقول الموهوبة والتى يضاف إليها أصحاب المؤهلات الرفيعة العليا ( الدكتوراة ، الدبلومات فى مواد التخصص والدبلومات التقنية والتلمذة الصناعية) ، تعد خسارة تنموية على السودان ، ومكسبا تنمويا للمكان الذى استحسنت أن تقيم فيه
وبينما توفر دول المهجرة آلاف الملايين من الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها فإن هذه العقول لم تكلف الدولة المضيفة شيئا فى تنشئتها وتدريبها ،بينما يخسر السودان هذه العقول نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والحروب العبثية آخرها حرب الوطن اللعينة التي نعيشها الان رغم أن العقول المهاجرة هى عادة أفضل العناصر القادرة على الإنتاج الفكرى والعلمى وعلى الاختراع والابتكار ).
ومن المعلوم هناك استنزاف ظاهر، وهناك استنزاف باطن، والأخطر هو أن يُستنزف السودان اقتصاديا وعلميا من دون رؤية ظاهرة ومعرفة دلالاتها ظاهرياً بسبب طبيعتها غير المنظورة وصعوبة تقدير حساباتها الاقتصادية المباشرة.
إن هجرة العقول أضعفت المؤسسات العلمية والأكاديمية والعسكرية والثقافية ومراكز البحث العلمي مسببا عجز تنموي وإخفاق علمي وتكنولوجي ومشكلات معيشية، وضعف مستوى الأجور في ظل غياب الرموز الحضارية والفكرية عن عقل صانع للقرار السياسي.
ومن هنا أصبح من الضروري أن يسهم الإعلام السوداني في تعزيز التوعية بهذه الظاهرة، وبأهمية البحث العلمي ورفع الثقة السودانية الأمر الذي يساهم في إعادة الثقة بين الشعب السوداني ويرسخ ثقافة الحوار والعمل للسلام بعيدا عن الحروب كما أن عودة العقول والكفاءات يحسن في الشأن السياسي والاجتماعي والمعرفي الأمر الذي يسهم في معالجة الكثير من التحديات وإنتاج جيل أكثر وعي وادراك.
،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،