عدوة الإثيوبية …….معركة الإنسان الافريقي
أنور ابراهيم احمد-كاتب اثيوبي
الراصد الإثيوبي- أديس أبابا
الثلاثاء 28 فبراير 2023
تاتي معركة عدوة في ذكراها ال 127 ،والتي تعبر عن النضال الذي قدمه الاثيوبيين نضال لثورات التحرر الافريقي ،و اعتبرها الافارقة معركة تحرر ضد الاستعمار الغربي الذي سلب كل ثروات القارة الافريقية واضطهد شعوبها واستعبدهم فكانت هذه المعركة التي تعتبر اول معركة يهزم فيها مستعمر اوربي في القارة الافريقية وبهذا توقفت مطامع الغرب في بعض دول القارة الافريقية في وقتها .
تحركات أيطاليا في المنطقة
كانت القوي الغربية تحاول ان تتحرش باثيوبيا في تلك الفترات وخاصة ان البلاد كانت تعاني من بعض الصراعات الداخلية “صراع الأباطرة والملوك “في تكل الفترات ، مما ادي لظهور الاطماع الغربية متمثلة في بريطانيا والتي تحاول تامين حدود مستعمرتها السودان وايطاليا التي بدات تدخل في قلب القارة من الشرق ،والتحركات البرتقالية في الدول المشاطئة للبحر الأحمر ،لتأمين تحركات سفنها علي البحر الأحمر.
فادي الصراع الداخلي دورا كبيرا في تقديم مفاهيم خاطئة عن الحبشة وقوتها في تلك الفترة مماجعل ايطاليا تقوم باقناع بقية الدول الغربية باهداف استعمارها لاثيوبيا ومحاول التغلغل داخل الاراضي الاثيوبية من الشرق عبر الاراضي الصومالية والاريترية .
ومع مرور الوقت حاولت اثيوبيا استمالت بريطانيا الى جانبها والتي اصبحت تتخوف من التقدم الايطالى في المنطقة وفي ظل محاولة ايطاليا كسب بقية الدول الغربية لصفها .
مكاسب الأمبراطورية الإثيوبية
وتعتبر هذه المعركة من المعارك الحربية التي تركت بصماتها في تاريخ إفريقيا الحديث تلك المعركة الشهيرة التي وقعت بين ايطاليا وأثيوبيا في أواخر القرن التاسع عشر ، انها معركة عدوه التي أذاقت الإيطاليين كأس الهزيمة علي أيدي قوات أفريقية ، لقد كانت الهزيمة ثقيلة بالقدر الذي أجبر إيطاليا علي الإستجابة لمطالب الامبراطور منليك بإلغاء المعاهدة “أوتشالي “التي كانت سببا في الحرب ، وكذلك سعيها عقد معاهدة صداقه معه في نفس عام المعركة.
عدوة المدينة التاريخية
تقع مدينة عدوة في اقليم تقراي في شمال اثيوبيا على بعد حوالى 870 كيلو متر شمال العاصمة الاثيوبية اديس اببا ،وأقرب لأريتريا التي دخل العدو عبر أراضيها ،وهي مدينة محاطة بالجبال وبها معالم جغرافية واراضي وعرة و تعتبر الاقرب من الاراضي الاثيوبية لمداخل اثيوبيا من الشمال .
بداية المعركة
وفي الساعة الحادية عشرة من مساء السبت تحرك الجيش الايطالي بأعداده كبيرة إلي مدينة عدوة ، وقد ترك الايطاليون قوة كبري تتكون من 2785 رجالا لحماية المخازن والمعسكر في انتشجو ،ولكن اثنان من جواسيس الرأس الولا أبا نقا ، شاهدا الايطاليين وهم يغادرون انتشجو واخبرا الرأس الولا الذي كان علي بعد ميل من أراض المعركة ،وعرف بأن العدو الآيطالي في طريقه إلى عدوة وفي الحال وصل الخبر الي الامبراطور منلليك والقيادات الأخري واستعد الأثيوبيين للمعركة ، وقبل شروق الشمس اكتشف الأحباش، ان الجناح الأيسر للجيش الإيطالي كان بالفعل قد استقر علي المنحدرات الغربية للتلال المواجه لجبل ابا جريما وانقسم الجيش الايطالي إلى عدة مجموعات بقيادة رؤساء كل مجموعة وبقي الجنرال براتيري مع القوات الاحتياطية بقيادة الجنرال الينا.
في السادسة صباحا بدأت المعركة بهجوم من موقع الجنرال البرتون ،وفي البداية كان الهجوم بالمدفعية وقد أحدث الايطاليون خسائر فادحة لجموع الأثيوبيين ،ولكن بعد وصول البنادق الحبشية السريعة الطلقات تمكن الأثيوبيين من صب نيران بنادقهم على الآيطاليين ،وقد وتمكنوا من اسكات مدفعية الجنرال البرتون ،التي نفذت ذخيرتها وبالتدريج أحاطت القوات الاثيوبية بجيش البرتون ، وجاءت الموجه الأخيرة من التقدم الاثيوبي وصارت عمليه المقاومة امرا مستحيلا لان ذلك سوف يؤدي الي مجزرة للباقين علي قيد الحياة، ولم يبق سوي الاستسلام وهكذا في الساعة الحادية عشرة وبعد ان نفذت الذخيرة ، استسلمت البقية الباقية من الجناح الأيسر للقوة الايطالية للاثيوبيين ، واصبحت القوات الاثيوبية في هذا الجزء حرة الحركة ويمكنها ان تساعد بقية القوات ضد كتيبة الجنرال اريموندي والجنرال الينا .
ومنذ البداية صارت القوات التابعة لاريموندي في موقف حرج، وفي نفس الوقت بدأ هجوم إثيوبي، علي جبهة الجنرال اريموندي وحاول اريموندي وقواته من الايطاليين أن يمنعوا الأثيوبيين من التقدم ،لكن هذه القوات كانت قليلة وكان عليها التراجع ، وسقط امام قواته و في الساعة الحادية عشرة صباحا ترك الجنرال بارتيري قوات الجنرال الينا وانسحب بقواته لانه وجد القوات الضخمة من الأثيوبيين تحاصر الجنرال اريموندي ، وعرف ان نفس المصير سيحل بقوات الجنرال إلينا ، وبدأ تجميع القوات لكي ينظم عملية الانسحاب.
كانت الكارثه ضخمة بالنسبة للآيطاليين من التحركات الأولية ، ففي صباح اليوم التالي وفي تمام الساعة العاشرة صباحا ،بدأ انسحاب القوات الايطالية تحت ضغط الهجوم الآثيوبي وأرسل الرأس الولا أبانقا الى الإمبراطور منلليك يطلب من قوات الفرسان لكي تقطع الطريق علي الايطاليين خط انسحابهم.
ولو استخدم الرأس الولا قوات الفرسان ضد بقية الجيش الايطالي المنهزم لاجبرهم علي الاستسلام نهائيا ، ولما عادت الفلول الباقية من الايطاليين إلى قواعدها وانتشر الرعب في كل اريتريا وهرب المزارعون الايطاليون إلى أسمرا ،ومن هناك إلى مصوع كما هربت الجماعات المدنية الاوروبية من اسمرا وكرن الي المناطق المحصنة علي الساحل.
وبعد المعركة استطاع الامبراطور منليك ان يأسر 4000 رجلا من الايطاليين ،وكان من بينهم عدد كبير من الضباط والقواد.
وكذلك استولي علي كل المدفعية الايطاليه، والتي تقدر بحوالي خمسة وستين مدفعا وأحد عشر الف مسدسا، وهكذا دفع الايطاليون الثمن غاليا فلقد لقي حوالي ستة آلاف جندي مصرعهم وجرح 1428 جنديا ،وبلغت الخسائر اكثر من نصف القوات التي شاركت في المعركة وهي بلا شك خسارة كبري لجيش اوروبي حديث.
اما خسائر الاثيوبيون فبلغت حوالس ستة الاف قتيل وحوالي ثمانية الالاف جريح ،وفي الوقت التي تحطمت فيه القوة الايطالية وقد ظل الجيش الاثيوبي بعد المعركة في حالة جيدة واستطاع الامبراطور منلليك بعد يوم واحد من المعارك ان يهزم الايطاليين ،وكانت الهزيمة ابشع مما منيت بها امة في القرن التاسع عشر ،وكان في مقدور جيش منلليك أن يتقدم خلف الايطاليين ويلقي بهم في البحر لولا وجود بعض الخلافات الداخلية ولقلة المؤن.
وهكذا انتهت معركة عدوة لصالح الاثيوبين، الذين حققوا نصرا لافريقيا وللانسان الافريقي الذي تحققت مقولة ان الافارقة يستطيعون ان ينتصروا بعزيمتهم على كل من يحاول التقليل من الجيوش الافريقية .
وكانت اولى خطوات التحرر الافريقي ضد المستعمر الاوربي ومنها انطلقت العديد من الثورات الافريقية ضد المستعمر الاوربي في كافة ارجاء القارة الافريقية .
تاتي هذه المعركة في ذكراها ال 127 ، والتي تعتبر فخرا للافارقة وكان للامبراطور منلليك الثاني دورا كبيرا في تحرير البلاد من هذا المستعمر الذي كان يحاول ان يستعبد الإثيوبيين وعمل قادته بالتعاون من الشعب الاثيوبي لدحر هذا الجيش الكبير المتطور والذي يحمل العتاد الضخم ،واحدث الاسلحة وقدم الاثيوبيين دروسا كبيرا للقادة الايطاليين عن ماهية النضال من اجل الوطن .