خالد عبد النبي – كاتب سوداني
الراصد الإثيوبي – السودان
الأربعاء 14 ديسمبر 2022
الحياة ضد الموت كما الأصوات هى ضد الصمت .. الحياة تهزم فكرة الموات والجمود حتى وان كان معنويا”،، الأصوات تنطلق من داخلك يا محيميد وترتد الى ذاتك ثم تنتشر بعد ان تمازج احاسيس شتى ،، هل قلت محيميد،، نعم .. كيف لك ان تتبع شيخك ابا الطيب وتتقفى أثره وتحرمنا ان نكون مثلك والمتنبى،،
أصوات الحياة متعددة النغمات ولها طعم يتجدد حسب الأمكنة التى تنادى فيها وتستمع اليها ،، وأن تعود بعد 30عاما”ونيف لتقضى فريضة الصوم فى مرتع الصبا بين أهلك وعشيرتك فهى حكاية،، نعم ناداك الصوت ولبيت النداء وصحت ان يا خيل العشيرة اركبى،، كنت تتمطى مثل فهد افريقى وحينا”اخر مثل فرس اصيل يتقدم خيلا”عتاقا”،، كلها فى مضمار العشق تعدوا الى الماضى والمستقبل بحنين غريب،، أعرافها تتراقص مع رياح بيوضة وترهف اسماعها لنداء الصحراء والجن والخريف ،،
ها انت فى مسجد عسوم تعانق الرفاق ثم تتمدد مثل رجل عاد من غربة طويلة ،،متعب أنت من معاناة الصحراء ومعاناتك والاخرين ،، كلنا فى الهم شرق وللهم وجوه متعددة،، لا تلبث أن تروح فى اغفاءة ثم تصحوا على صوت الأذان ينادى ،، بدأت الأصوات تتجمع فى داخلك وتعود الى ينبوعها ،، تصلى وتراهم قربك وتحادثهم وتستعيد معهم ذكريات اعوام خلت وأنت صبى تغالب العطش وتتعلم الصوم ،، تتقلب تحت شجيرة ساقية البركالة وتحت شوالات الخيش الميتلة والشاويش يهدر((قوم يا جنى رشرش الدرب دا عشان الفرناقة دى تخف)) يضحك بكرى ويصفه بالحاسد وأنا أكركر مثل محجوب حين هزمته الضباع،، بينى والصيام الفة قريبة ماله الشاويش يود ان يقطعها ،، انى ابحث عن أسباب تقنع النفس الطفلة بالافطار ،، تزداد حمى العطش وتقلصات الامعاء وضربات الجوع ،، الجوع مثل الناظر يستفزك فى طابور الصباح ثم يعاقبك وأنت على مضض تتقبل كل شئ وتبتلع غصة وتمج مياه مالحة وتدلقها،، الصوم يعتصرنى وتستفزنى مياه البحر وانا عطشااااان.. عطشان ويظهر لى من بين فرجات الاغصان ابن عمتى حسن الحداد ،، صور الانهيار متدرجة ،،انا فى البحر مثل العشارى الجريح ،، الحداد يعرض لى ثمار اشجار المدين وتبدوا لى مثل الذهب يخلب لب النفوس خلف الزجاج وانا طائش النظرات وبينى والحداد ضباب زجاجى،، شعرت انى احرك فمى ذات اليمين ثم انتابتنى قشعريرة،، صرت أرتجف ،، خلال دقائق كنت اتلمظ طعم البلح دون أدنى شعور بالذنب وكأن الشياطين ما صفدت ولا انا مسلم ..
يستغرق الكدادى وايمن فى ضحك مبتور لانهم عطشي،، لا أدرى أيهما أحق باحتفالهم،،قصتى مع الحداد أم انهم تمنوا ثمرة مدين فى تلك اللحظة ،، وأنا احكى وأستمع لصوت حياة ماضية يتردد فى داخلى،، حانت منى التفاتة ورأيت على شيالة زائغ النظرات وحمرة داكنة ترقد فى عينيه،، كان قرييا”يستمع ويظهر نصف ابتسامة وأيقنت انه يحارب اصوات شتى فى داخله ويكتم حكايات افطاره فى صباه حتى لا (أشيل حاله)) ويلقبونه شيالة..
أغرتنى مكيفات المسجد وحكيت لهم ما كان مع صديقى تختخ ،، رغم انه سمين وقتها لدرجة تلبسه اللقب تماما”.. يومها وجدته يلتهم القراصة بالدمعة امام والدته رحمها الله وكانه طفل،، ينادى بصوت الطفل طالبا”الزيادة وانا أراقبه بعين غيظ واخرى لاهثة جائعة تسيل منها ريالة الدمع.. تختخ لم يمارس معى مزاجه العبثى ولكن ابن خالته قرأ دواخلى واكتفى بعرض الطعمية المطهمة بحبات السمسم على شاشة لهفتى وفضيحتى ،،كان يومئ لى بها ثم يقرم منها بصوت مسموع متعمد((مالها الأصوات تنادى يا حسين)) ثم يزدردها بتلذذ،، كان الانهيار أقوى من قصتى مع الحداد ووجدتنى التهمها بنفس طريقته وأعود لمنزلنا تفضحنا الملامح ..
صوت الحياة هو نغمة من دقات قلب المحبة ،، نغمة صبا وذكريات وتعود،،نغمة من افطار المسجد وترتيل الامام فى العشيات،،صوت المرحوم طه عبدالقادر وهو ينادى للفجر وصوت مسبحة شفيقه محمد عبدالقادر،، صوت الخطى فى طرقات عسوم وأن اعرف وقعها وصاحبها،،صوت المقيل والعشيات والصباحات والمداح ،، نداء الحبوبات وأفراح مضت ،، صوت أطفالك وانت تنظر لك من خلالهم.. أصوات الحياة يا رفاق تنبح فى الاعصاب وتنادى مثل دليب تسوقه الامواج.. رنة طنابير تزفها رياح امشير،، احزان الحاضر وفرح الماضى وتمنيات المستقبل ..
حياك الله عسوم وحفظ العشيرة والرفاق..
خالد عبدالنبى.. السودان..
#عسوم. قرية في محافظة مروي شمال السودان..
،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،