إثيوبيا تبدأ عملية بناء السلام بعد اتفاقية جنوب أفريقيا الموقعة حديثا.
ماهر عبدالسلام-كاتب إثيوبي
الراصد الإثيوبي – أديس أبابا
الخميس 17 نوفمبر 2022
صنع السلام عمل محفوف بالصعوبات و يتطلب الجهد والعمل، وكثيرا ما يقال ان بناء السلام هو أصعب من شن الحروب.
في الثانيمن نوفمبر ٢٠٢٢ م، تم توقيع اتفاقية سلام دائم من خلال وقف الأعمال العدائية بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وأعلن رسميًا عن “وقف دائم للأعمال العدائية” لإنهاء الحرب في شمال إثيوبيا، هذه خطوة أولى وحاسمة في عملية بناء السلام وتحقيق الاستقرار في إثيوبيا بعد عامين من الحرب الدامية.
جاء إعلان السلام بمثابة نجاح حقيقي وعمَّ ارتياح جماعي كل شعوب إثيوبيا خاصة الفئات والأشخاص الأكثر تضررا من الحرب الوحشية التي استمرت لعامين وتسببت في موت العديد من المواطنين إلى جانب دمار هائل في الممتلكات، وخسائر فادحة في صفوف المدنيين، وأزمة اجتماعية واقتصادية، وتأثيرات على الأجيال في المناطق التي تأثرت بشكل مباشر بالحرب في تيغراي وأمهرا وعفر.
إن التعامل مع هذا المستوى من عدم القدرة على التنبؤ وانعدام الثقة والفوضى وعدم اليقين سيتطلب بالتأكيد خطوة أولى شجاعة وقفزة وطنيه كبيرة، لقد قرر كلا الطرفين رفع المعاناة عن الشعب وتمكين السلام، وقبل طرفي الحكومة والجبهة بنشر رايات السلام من خلال الاتفاق على إسكات البنادق.
كان الاتفاق انجازا دبلوماسيا تاريخيا، جمع بين الوطنيه الاثيوبيه والرؤية القارية للاتحاد الأفريقي الذي نجح في إسكات المدافع وتعزيز السلام والهدوء في منطقة القرن الأفريقي التي مزقتها الحروب، و في الواقع هذا الإتفاق شهادة لأفريقيا أنه بإمكانها أن تحل مشكلها بنفسها.
حيث سارت المحادثات بشكل منسق من قبل الممثل السامي للاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي والرئيس السابق لجمهورية نيجيريا الفيدرالية فخامة أولوسيغون أوباسانجو، إلى جانب أعضاء الفريق الرفيع المستوى للاتحاد الأفريقي، والرئيس الكيني السابق فخامة أوهورو كينياتا وفومزيل ملامبو- نغوكا، نائب رئيس جمهورية جنوب إفريقيا السابق وعضو لجنة حكماء الاتحاد الأفريقي.
كان الاتفاق مخططًا عمليًا لمفهوم “الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية” كما كان أيضًا دليلًا واضحا للعالم أجمع في وساطة الاتحاد الافريقي واهتمامه بسلام أفريقيا. الى جانب ما عكسته الحكومة الإثيوبية في حرصها على الوساطه الافريقية من المسئوليه الكاملة والوعي الحقيقي بإعتبارها المقر الرئيسي للاتحاد الأفريقي. احتوي اتفاق السلام إلى جانب المقدمة على ١٥ مادة تبدأ بأهداف الاتفاقية (المادة ١). تنص المقدمة بالنتائج المدمرة للصراع على حياة البشر وسبل عيشهم، كما يؤكد التزام الأطراف بأجندة الاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق بحلول عام ٢٠٣٠ م، وهي مبادرة رائدة من أجندة ٢٠٦٣ للاتحاد الأفريقي التي تطمح إلى إنهاء جميع الحروب والعنف.
قال أوليسيغون أوباسانجو، المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي إلى القرن الأفريقي، “اليوم هو بداية فجر جديد لإثيوبيا، وللقرن الأفريقي وفي الواقع بالنسبة لأفريقيا بأكملها”، وأضاف أيضًا، “اتفق الطرفان في الصراع الإثيوبي رسميًا على وقف الأعمال العدائية وكذلك نزع السلاح الممنهج والمنظم والمنسق، وأضاف أيضا، أن كلا الجانبين إتفقا على إعاده القانون والنظام، وإعادة الخدمات، ووصول الإمدادات الإنسانية إلى تيغراي دون عوائق وحماية المدنيين … الى جانب أنشطة أخرى اتفق عليها”.
من أهم أهداف اتفاقية السلام-الوقف الفوري والدائم للأعمال العدائية و إسكات البنادق، وخلق بيئة مواتية وإرساء أسس السلام المستدام، والجانب الآخر الحاسم لهذا الاتفاق الدبلوماسي هو الدخول السريع والسلس والسلمي والمنسق لقوة الدفاع الوطنية الإثيوبية وغيرها من المؤسسات الفيدرالية ذات الصلة إلى إقليم تيغراي وعاصمتها مغلي، هذا تطور هائل لاستعادة النظام الدستوري في تيغراي، وخلق بيئة مواتية لاستئناف الخدمات العامة وتقديم المساعدات الإنسانية لشعب تيغراي.
الجزء المهم الآخر من الاتفاقية هو برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لمقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغري، بما يتوافق مع دستور جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية.
كان نزع الأسلحة الثقيلة لمقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أولوية أساسية للحكومة الفيدرالية لاستعادة السلطة الدستورية والحكم في تيغراي،و كان اجتماع كبار القادة بعد التوقيع على اتفاقية الوقف الدائم للأعمال العدائية بين الحكومة الإثيوبية و الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي جزءًا مهمًا من المرحلة الأولية من عملية التنفيذ. كان الاجتماع الذي عقد في نيروبي بكينيا في ٧ نوفمبر ٢٠٢٢ م متسقًا مع المادة ٦ (د) من اتفاقية وقف الأعمال العدائية الموقعة مؤخرًا بين الحكومة جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ، حيث اتفق الطرفان على تنظيم اجتماع لكبار القادة في غضون ٥ أيام من توقيع الاتفاق لمناقشة ووضع طرائق مفصلة بشأن تنفيذه بما في ذلك قضايا نزع السلاح، مع مراعاة الوضع الأمني على الأرض.
كما قال الرئيس أوهورو كينياتا خلال حفل توقيع الاتفاقية: ” معالي السيد أوهورو كينياتا الرئيس الكيني السابق محق تمامًا في أن تنفيذ الاتفاقية بحسن نية أكثر أهمية ومركزية من “لحظة المصافحة”.
في حين أن توقيع اتفاق السلام يشير إلى نهاية عملية مفاوضات السلام الصعبة، إلا أنه يشكل أيضًا بداية لعملية بناء سلام جادة، يجب على جميع الإثيوبيين من جميع نواحي الحياة والجهات الفاعلة الرئيسية في المجتمع الدولي دعم القرارات الشجاعة التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في جميع المجالات، الشعب الإثيوبي لا يستطيع تحمل أي حرب.
ينبغي أن تكون الأولوية التالية إعادة البناء الاقتصادي وإعادة التأهيل بعد الحرب بهدف تأمين السلام والأمن وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة في إثيوبيا.
بعد إعادة الإدماج والمصالحة على أساس العدالة الانتقالية الشاملة وإطار المساءلة أمر بالغ الأهمية أيضًا لبناء سلام مستدام في إثيوبيا، يجب على الدول الإقليمية والمنظمات متعددة الأطراف والشركاء العالميين الرئيسيين بناء هذه القوة للسلام وتقديم الدعم الكامل لعملية بناء السلام المعقدة في إثيوبيا.
،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،