دريدوا ملهمة الكتاب والشعراء والزوار
محمد شافي –صحفي وكاتب إثيوبي
الراصد الإثيوبي – أديس ابابا
الأربعاء 2 نوفمبر 2022
كتب عنها الكثير والكثير في وصف جمالها وثقافتها ، وكم تغنى عن سماحة شعبها المغنون ، وكم زارها الزوار وفجأة وجدوا أنفسهم أنها جزء منهم فاستقر بعضهم فيها لعدة سنوات ممن كانو إثيوبيين ، وأعاد إليها الكرات الزوار الأجانب.
إن هذه المدينة الرائعة التي تعتبر متحفا للشعوب الإثيوبية هي مدينة دريدوا ، وما أدراك ما دريدوا؟ ، مدينة الحب والوئام والسلام والأمان ، مدينة لا تعرف مكانا للكراهية والبغض والأنانية ، مدينة تجد نفسك فيها أنك فعلا تعيش بين كنفي أسرتك وفي بيتك بل أكثر من ذلك ، بلد لا يميز فيها الغني عن الفقير ، والجاهل عن المتعلم ، والأجنبي عن المواطن ، لأن معيار الاحترام في هذه المدينة الإنسانية لا غير.
هذه المدينة لديها مميزات عدة من حيث تعدد الثقافات والإثنيات الموجودة فيها ، إذ توجد فيها العديد من الشعوب والقوميات الإثيوبية ، والذين يعيشون معا في احترام متبادل منقطع النظير.
خلال زيارتي لهذه المدينة شعرت بإحساس غريب منذ دخلتها ، لأنني وجدت فيها نفسي ليس غريبا على أهلها ، وفور وصولي إليها اتصلت إلى الرجل الذي كان ينتظرني في المدينة ، وأخبرني أن أستقل (التكتك) ، وفي طريقي قال لي السائق وكأنه يعرفني ، ” اشتريت اليوم مسكن الصداع ألماني الصنع لخالتي من المستوصف بعشرين برا ، وفجأة شكى لي أحد أصدقائي من الصداع ، فأعطيته فورا والآن سأتكلف لشراء مسكن آخر لخالتي ” ، ومن خلال كلامه تلمست أن السماحة والكرم متأصل في نفوسهم .
وبعد أن التقينا مع هذا الشخص الذي يدعى “إدريس ” وهو محاضر بجامعة دريدوا عزمني على فطيرة في مطعم شعبي مفتوح ، ولا أنسى ذلك العشاء اللذيذ ، الذي يوحي على البساطة في العيش وسماحة نفوس سكان دريدوا .
وخلال حديثي معه أخبرني أنه منذ بدئه التدريس في الجامعة أحب الإقامة في هذه المدينة مما أدى به إلى أن يأسس حياته فيها حيث تزوج وأنجب ولدين ، ولا يتمنى أن يغادر هذه المدينة ، وذكرني أن أكثر شيئ يجعله متعلقا بها هو سماحة نفوس سكان دريدوا وكونهم اجتماعين .
والتقيت أيضا مع شخص جاء من غوجام لغرض العمل فقرر الإقامة في هذه المدينة وتزوج وأنجب فيها ، وذكرني لي شخص آخر من رايا أنه قرر الإقامة فيها ولا ينوي العودة إلى مسقط رأسه.
وخلال حديثي مع هؤلاء الأشخاص ذكر لي أن هناك عدة أسباب تجعلهم يرغبون الإقامة في هذه المدينة أجملها كالآتي
الشعور بالأمان
إن كل زائر لهذه المدينة بغض النظر عن خلفياته الدينية والثقافية والعرقية يجد الأمان في هذه المدينة ، لدرجة أن الشخص يتجول في وقت متأخر بالليل ولا يخاف على نفسه وماله سوءا .
الاستضافة منقطع النظير
إن كل زائر لهذه المدينة لا يشعر بتاتا بالغربة ، بل يشعر بأنه في بلده ، ويجد الترحيب من كل شخص مما يجعله ينسجم سريعا مع أهلها إلى درجة تجعله يقرر الإقامة فيها.
التنوع قوة
إن تواجد العديد من الشعوب والقوميات الإثيوبية من أقاليم أمهرا وتغراي والصومال وغيرها ، وذلك الى جانب السكانها الهرور وعرب وغراغي واورومو الأغلبية الساحقة فيها منذ تأسيسها, كما توجد قوميات اخرى, هذه القوميات كلها جعلت الحياة في هذه المدينة سهلا للغاية ، حيث أن الزائر لهذه المدينة يجد أشخاصا من بني جلدته فيأنس بهم ولا يشعر بتاتا بالوحدة.
نبذ الخلاف
ذكر لي الأشخاص الذين تحدثت معهم أن سكان هذه المدينة متسامحون وودودون ، حتى ولو وصلت بهم الخلاف إلى أوجها ، وظننت أنهم يتقاتلون فإذا بهم بعد فترة يحضن بعضهم بعضا كأن لم تكن بينهم بغضاء
الصراحة
سكان دريدوا شيمتهم الصراحة والوضوح ولا يضمرون لأحد شيئا ، ويضعون الأمور موضعها الصحيح ، وإذا رأى فيك نقصا نصحك وأرشدك ، وإذا رأى معروفا أشاد بك ، حيث لا سيبل لديهم إلى الحديث ورائك.
تأثرها بالثفافة العربية
إن القرب الجغرافي لهذه المدينة من حدود دولتي جيبوتي واليمن ، جعلها مركزا لتوافد سكان هذه الدول الذين يأتون إلى هذه المدينة بغرض التجارة ، إليها وامتزاجهم بالسكان الأصليين من الأوروميين والصوماليين وغيرهما ، مما جعلهم يؤثرون تأثيرا مباشرا على ثقافة هذه المدينة ، والتي نجدها ظاهرة حتى الآن من خلال الأطعمة والأعياد والاحتفالات والألعاب التقليدية مثل عيد الرشاشة الشهير والذي يتم من خلاله رش الماء على المارين بمناسبة قدوم عاشوراء ، وبنفس المنوال فإن تأثير تركيا على ثقافة هذه المدينة كان جليا ، ويكفيك المثل التركي السائد في هذه المدينة ” عش ملكا ولو كان يوما ” ، والذي مازالت آثاره جلية على الحياة اليومية لسكان المدينة .
صفوة القول هو أن جمال هذه المدينة وما تحمله في طياتها من الثقافة والعادات لا يمكن تطرقها في هذه العجالة إلا عن طريق الزيارة “وليس الخبر كالمشاهدة “.
،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،