مقالات

إثيوبيا في وجدان العرب: درة تاجٍ منسية أم شريك استراتيجي مرتقب؟

محمد الأمين النحاس-كاتب سوداني 

الراصد الإثيوبي -أديس أبابا 

الجمعة 11 أبريل 2025 

 

مقدمة

لطالما كانت إثيوبيا نقطة التقاء حيوية في التاريخ العربي والإسلامي، حيث ظلت ملامحها بارزة في الذاكرة الثقافية والدينية لشعوب العالم العربي. فهي لم تكن مجرد جارة جغرافية، بل شكلت ملتقى حضاريًا تتداخل فيه العوامل الإنسانية والتجارية والدينية. من الهجرة الأولى إلى الحبشة في بداية الإسلام إلى التفاعل الاجتماعي والاقتصادي على ضفتي البحر الأحمر، كانت إثيوبيا دائمًا حاضرة في ذاكرة العرب، سواءً كداعم في المراحل الأولى من الإسلام أو كجزء من شبكة التبادل الثقافي والتجاري.

ومع استمرار الأزمات في منطقة القرن الإفريقي، تبرز تساؤلات حول مدى استمرارية هذه الروابط العميقة: هل لا تزال إثيوبيا، بما تحمله من أبعاد تاريخية وثقافية مشتركة، حاضرة في الوعي العربي كشريك طبيعي؟ أم أن ما يجمعها بهم أصبح من الماضي؟

التفاعل الحضاري

إثيوبيا، أو “الحبشة” كما وردت في كتب التاريخ العربية، كانت دائمًا محط اهتمام العرب. فقد كانت، منذ وقت مبكر، الملاذ الأول للمسلمين الأوائل الذين لجأوا إليها طلبًا للأمان من الاضطهاد في مكة. وخلد التاريخ قول النبي محمد ﷺ عن ملكها العادل النجاشي: “إن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد”. هذه الحادثة لم تكن مجرد جزء من الرواية الإسلامية، بل أرسَت بداية علاقة وجدانية بين العرب وإثيوبيا لم تقتصر على الصعيد الديني فقط، بل شملت التبادل التجاري والثقافي أيضًا.

على مدى العصور، شهدت موانئ البحر الأحمر حركة نشطة من السفن التجارية، حيث تبادلت شعوب المنطقة السلع والتوابل، وحملت معها أيضًا اللغة والدين والعادات، مما يعكس عمق التفاعل بين العرب والإثيوبيين. ولم تقتصر هذه العلاقات على التجارة فقط، بل امتدت إلى التداخل الاجتماعي والعرقي. فثمة عائلات عربية استقرت في مناطق إثيوبية مثل إقليم عفر وهرر، مما يعكس تاريخًا طويلًا من التعايش والتفاعل بين الشعوب.

إثيوبيا لا تحتاج إلى عبور محيطات شاسعة لتتصل بالعالم العربي، بل يقع موقعها الجغرافي في قلب منطقة القرن الإفريقي، محاذيةً للسودان وجيبوتي، واليمن ودول الخليج عبر البحر الأحمر. هذه القرب الجغرافي يعزز من حيوية العلاقة بين إثيوبيا والعالم العربي، حيث يتيح التواصل المستمر على كافة الأصعدة.

الحدود الجغرافية المفتوحة بين إثيوبيا والدول العربية تتيح تداخلًا بين المجتمعات والاقتصادات. على سبيل المثال، التفاعل السكاني بين إثيوبيا والسودان وجيبوتي يظهر وجود روابط اجتماعية وعرقية متشابكة بين هذه الدول. كما أن البحر الأحمر يعتبر جسرًا للتواصل وليس حاجزًا، مما يعزز من الترابط بين الإثيوبيين والعرب. 

إثيوبيا ليست مجرد جارة جغرافية للعالم العربي، بل هي حاضنة للعديد من الجذور الثقافية والدينية التي تتقاطع مع الموروث العربي. ففيما يتعلق بالإسلام، يشكل المسلمون الإثيوبيون جزءًا من تاريخ الإسلام الأصيل في المنطقة، حيث اللغة العربية جزء لا يتجزأ من التعليم الديني. كما أن المسيحية الإثيوبية الأرثوذكسية تتعايش جنبًا إلى جنب مع الإسلام، مما يعكس تعدد الأديان والتسامح الديني الذي يتسم به المجتمع الإثيوبي، وهذا الأمر يعزز التفاهم المشترك بين الشعوب.

إضافة إلى ذلك، العمالة الإثيوبية في الدول العربية التي تعمل في وظائف مختلفة، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، أسهمت ولا تزال في تعزيز التواصل الاجتماعي والاقتصادي بين الجانبين. العمالة الإثيوبية تمثل رابطًا مهمًا بين إثيوبيا والعالم العربي، خصوصًا في دول مثل السعودية والإمارات وقطر، حيث يعمل العديد من الإثيوبيين بمختلف القطاعات.

إثيوبيا وعضويتها المحتملة في جامعة الدول العربية

في ضوء الروابط التاريخية والثقافية العميقة التي تجمع بين إثيوبيا والعالم العربي، تطرح قضية عضوية إثيوبيا في جامعة الدول العربية نفسها كأحد المواضيع التي تستحق الدراسة. لا شك أن إثيوبيا تملك العديد من المؤهلات التي تجعلها مؤهلة للانضمام إلى الجامعة العربية، بدءًا من الروابط الدينية والثقافية وصولاً إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعلها جزءًا لا يتجزأ من العالم العربي.

وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في خطاب له أمام البرلمان الإثيوبي على أهمية تعزيز العلاقات بين إثيوبيا والعالم العربي، مشيرًا إلى أن الجامعة العربية يمكن أن تكون محطًا مهمًا لإثيوبيا في إطار سعيها لتعزيز حضورها في المنطقة العربية. وفي حديثه، أشار إلى ضرورة تعميق التعاون السياسي والاقتصادي مع الدول العربية بما يتماشى مع المصالح المشتركة في مختلف القطاعات. كما أكد أن العضوية في الجامعة العربية قد تساهم في تعزيز التفاهم المشترك مع الدول العربية ودفع التعاون الإقليمي نحو آفاق جديدة.

تعد إثيوبيا بوابة هامة في منطقة القرن الإفريقي، وهي تملك دورًا محوريًا في الأمن الغذائي والموارد المائية التي تهم العالم العربي. علاوة على ذلك، تعتبر إثيوبيا شريكًا محوريًا في العديد من القطاعات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية، مما يعزز فرص التعاون العربي-الإثيوبي.

وبالرغم من أن إثيوبيا ليست عضوًا حاليًا في جامعة الدول العربية، إلا أن الروابط المتجددة بين الدول العربية وإثيوبيا توفر فرصة لتوسيع نطاق التعاون العربي ليشمل التكامل الإقليمي، خاصة في ظل التحديات العالمية الراهنة. إن توسيع عضوية الجامعة لتشمل إثيوبيا قد يكون خطوة هامة نحو تحقيق التكامل العربي-الإفريقي وتعزيز مكانة الجامعة العربية كفاعل رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية.

الفرص المستقبلية والشراكات الاستراتيجية

في الوقت الذي تشهد فيه منطقة القرن الإفريقي تحديات أمنية واقتصادية، تبرز إثيوبيا كدولة محورية في مجال الأمن الغذائي، خاصة في ظل دورها البارز في توفير الموارد الطبيعية والإمدادات الغذائية والطاقة المتجددة. وفي سياق متصل، تشهد المنطقة اهتمامًا متزايدًا من قبل الدول العربية، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والموارد المائية والبنية التحتية.

نحو إحياء العلاقات الاستراتيجية

إثيوبيا ليست مجرد نقطة تواصل جغرافية مع العالم العربي، بل هي درة تاجٍ منسية في كثير من جوانب العلاقات التاريخية والثقافية والدينية. إن إعادة إحياء هذه الروابط يُمكن أن يشكل فرصة استراتيجية للمستقبل، حيث يمكن استثمار هذه العلاقات في تعزيز التكامل العربي الإثيوبي في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن الغذائي، والطاقة المتجددة، والمياه.

الماضي يحمل العديد من اللحظات المشتركة بين العرب وإثيوبيا، والمستقبل يحمل إمكانيات كبيرة للتعاون والتفاعل بين الشعبين، بما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون العربي الإثيوبي يمكن أن تؤسس لشراكة استراتيجية تدوم لقرون قادمة. ومن ثم، فإن عضوية إثيوبيا في جامعة الدول العربية قد تمثل خطوة هامة نحو تحقيق التعاون والتكامل الإقليمي بين العرب وأفريقيا.

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates