مقالات

من الاباي الي مقرن النيلين طلاهوون قيسسي ..بلبل الهضبة الذي بكي مغردا في هوي عازة السودان

سلسلة مقالات حول شخصيات أثيوبية أحبها السودانيين وكان لها تأثير في توطيد دعائم المودة بين الشعبين الشقيقين.

عبدالسميع العمراني –كاتب سوداني

الراصد الإثيوبي _ السودان

الجمعة 11 أبريل 2025 

هرب المطرب الإثيوبي الشهير طلاهوون قيسسي أواخر سبعينات القرن الماضي من أديس أبابا الي السودان ، بعد مضايقات ومطاردات من نظام الدرق الديكتاتوري ، وهو النظام الذي حارب الفنون والمسرح وأغلق الأندية وحظر الندوات الثقافية والفنية بل الغي كل ماهو جميل في إثيوبيا ، فخلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي تمت مطاردة طلاهوون قيسسي بعد أن أعتبر نظام الدرق ان اغنيته الشهيرة ( التشا لكوم ) ومعناها بالعربية ماعدت أطيق هذا…، اعتبر النظام أن كلماتها تحمل درجة عالية من التحريض للشعب للثورة علي النظام وقتها ، رغم أن الأغنية قد خرجت للوجود في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي وذلك خلال العهد الأمبراطوري ، إذ كان نجم تيلاهون قد سطع منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. وخلال عهد الأمبراطور هيلاسيلاسي كانت الأغنية رائجة وكلماتها تتناول الأوضاع الاقتصادية الصعبة للاثيوبيين في ظل تدهور أوضاع حكومة الأمبراطور ، فكان ان تمت مطاردته وبعدها تم إدخاله السجن بسببها ، والاغرب من ذلك انه و عقب الاطاحة بالأمبراطور ووصول ضباط الدرق وانفراد الديكتاتور منقستو هيلا ماريام بالحكم ، أبدت السلطات الإثيوبية ضيقها وانزعاجها من ذات الأغنية ، وأعلنت القبض علي المغني تيلاهون ، فتمت ملاحقته ولكنه تمكن من الهروب الي السودان .
استقر طلاهوون قيسسي في ضاحية ابوحمامة بجنوب الخرطوم ، وقد تواصل مع اتحاد الفنانيين السودانيين معلنا رغبته في الانضمام للاتحاد ، وقد وجد تيلاهون الحرية ليصدح باغنياته الجميلة ، بل غني للسودان و لأول مرة ظهر علي الجمهور السوداني بأغنية عازة في هواك في مطلع ثمانينات القرن الماضي ، وقد أداها بمزيج مابين الأمهرية والعربية وذلك بمسرح غردون ، وقد تحدث عن أنه يهدي الأغنية لاستاذه السوداني عبدالرحمن شداد والذي علمه الانجليزية في المرحلة الوسطى بأديس أبابا ، ويعتبره بمقام الاب بالنسبة له ، ويقول انه قد نصحه بالابتعاد عن أديس أبابا والهجرة للسودان ليطور موهبته في الغناء .
كما شارك طلاهوون قيسسي في مهرجان الثقافة والفنون الذي كان ينظمه نظام مايو ، فانشد رائعة خليل فرح مرة أخري (عازة في هواك) وابكي الحضور بصوته السريالي وبكي طلاهوون قيسسي بدموع الصدق والمحبة حين كان يغني لعازة السودانية بكل حواسه وجوارحه معربا عن حبه الشديد للشعب السوداني .
ونشير الي أن طلاهوون قيسسي يعتبر هو فنان إثيوبيا الأول ، وقد سجل عدد مائة أغنية علي شرائط الكاسيت كما ساهم مع مجموعة من زملائه الفنانين المميزين بإثيوبيا مثل مولاتو استاتكي ومحمود احمد ومنليك ، قد ساهموا جميعهم في تطور وانتشار الأغنية الإثيوبية بالقرن الافريقي والعالم ، كما سجل تيلاهون حوالي سبعون اغنية أخري علي اسطوانات الفينيل.
و طلاهوون قيسسي المولود لاب من الامهرا وأم من قومية الارومو في سبتمبر من العام 1940 م ، يعتبر مزيجا ثقافيا واجتماعيا للشعوب الإثيوبية ، وقد ساعده ذلك المزيج الاثني في تشكيل بعد ثقافي عميق بالداخل الإثيوبي ، وأصبح معشوقا للاثيوبيين بفنه وكلماته التي تمس الوجدان الإثيوبي ، كما أن اغنياته كانت تعبر عن الواقع السياسي والاقتصادي لإثيوبيا ، فكان أن أطلقت عليه الصحافة المعارضة للدرق (فنان الشعب) ، وجاء بعده جيل واعد من الفنانين الاثيوبيين مثل المايهو أشيتيي وعدد اخر من الفنانات الواعدات مثل هيلين بركي وعدد اخر من الفنانين الاثيوبيين مثل فنان الشباب الرائع (تيدي افرو) والذي تغني بوسط الخرطوم علي مسرح نادي الأسرة ونادي الضباط ، وقد ترنم بالعديد من الاغنيات السودانية لعمالقة الفن السوداني وردي وسيد خليفة وترباس بسبب وجود تداخل لحني وموسيقى رائع بين الأغنيتين السودانية والإثيوبية.
وليالي العاصمة الإثيوبية الناعمة الباردة الحالمة ، عادة من ماتحتضن أنديتها ومراكزها ومطاعمها ومقاهيها ، تحتضن بكل الود والدفء، والحب من يترنموا ويشدون بالأغاني السودانية ، وحتي المراكز الثقافية مثل مركز (فندكة) الذي انشأه الاثيوبي ملاكو بيلاي وخصصه للفن التشكيلي الافريقي والغناء السوداني علي وجه الخصوص ، فبحسب حديثه أنه قد أنشأ المركز للتعبير عن حبه وامتنانه للشعب السوداني ، إذ يقول ملاكو انه يعتبر نفسه ابن مدينة القضارف الغرة ، ويقول أنه قد جاء إليها لاجئا مع والدته وعمره وقتها كان ثلاثة أعوام ، وقد عرف الحياة والناس وتفتحت عينيه في القضارف ومجتمعها ، ويضيف ان والدته أكثر حبا منه للقضارف وكانت ممتنة للعديد من الأسر السودانية التي فتحت لها البيوت والقلوب ، وهي لاتنسي ابدا ان ابنها ملاكو كان الجيران يعتبرونه مثل أولادهم تماما ، وقد أكمل تعليمه بمدارس القضارف .
ومازال مركز فندكة الثقافي الذي يملكه ملاكو بيلاي ، حتي اليوم يلعب دورا هاما كجسر ثقافي بين الشعبين السوداني الإثيوبي ، ويستقطب حضورا اجنبيا كثيفا، لانه يقدم نماذج منوعة من الغناء الإثيوبي و الأفريقي وخاصة الفن السوداني، وقد نال المركز جائزة تقديرية من الاتحاد الأوروبي.
توفي الفنان طلاهوون قيسيسي في التاسع عشر من أبريل في العام 2009 م ، عن عمر 68 عاما ، وبرغم من الرحيل الحزين بسبب معاناة تطلاهوون قيسسي من المرض لفترة طويلة ، الا أنه قد ترك اثرا طيبا وارثا فنيا ضخما للقارة الأفريقية ، اذ ساهم بفنه وخلقه الجميل في تقريب المسافات الاجتماعية والثقافية بين شعوب منطقة القرن الافريقي.

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

من الاباي الي مقرن النيلين –  الجنرال أمان عندوم – الراصد الاثيوبي – ETHIO MONITOR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)

زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates