مقالات

من الاباي الي مقرن النيلين –  الجنرال أمان عندوم

سلسلة مقالات أسبوعية حول شخصيات أثيوبية أحبها السودانيين ، وكان لها تأثير في توطيد دعائم المودة بين الشعبين الشقيقين.

عبدالسميع العمراني -كاتب سوداني 

  الراصد الإثيوبي – السودان

الأثنين 9 ابريل 2025 

الجنرال الإثيوبي أمان عندوم وهو (من جذور إريترية) ولد في الخرطوم في يونيو من العام 1924م ، ودرس مراحله الأولية بالسودان ، بعدها التحق بكلية كمبوني ثم مدرسة سانت جورج العسكرية في الخرطوم ، وبعد دخول القوات الإيطالية الي إثيوبيا انضم امان عندوم الي القوات الاثيوبية بالسودان وهي القوة التي قادها الأمبراطور هيلاسيلاسي ، وقد حصل عندوم علي رتبة ملازم ثاني بالجيش الإثيوبي، وبعد انتصار إثيوبيا وطرد القوات الإيطالية في العام 1941 م ، وبعد عودة امان عندوم الي بلاده إثيوبيا ترقي سريعا في الجيش الإثيوبي بسبب قدراته العالية والانضباط وقوة الشخصية والنزاهة والاخلاص في عمله، إذ وصل الي رتبة اللواء في العام 1962 م ، وفي العام 1964 م ، تم ابتعاث خارج إثيوبيا ملحقا عسكريا لبلاده في السفارة الإثيوبية بواشنطون ، وهناك حصل علي درجة البكالوريوس في الإدارة من جامعة هوارد ، وبعد عودته أواخر العام 1965 م ، تم تعيينه من قبل الأمبراطور هيلاسيلاسي وزيرا للدفاع.
تميز الجنرال أمان عندوم عن أقرانه بكونه كان ذا حضور طاغي ولديه قوة شخصية وأنضباط عسكري صارم ، وعرف عن الرجل انه صاحب مباديء وأخلاق عالية ، وقد كان عادلا ويرفض الضيم والظلم وكان ذلك أكثر مايغضبه ، لذلك كان محبوبا بدرجة كبيرة من قبل ضباط وجنود الجيش الإثيوبي ، وقاد القوات الإثيوبية التي قاتلت في الحرب الكورية وحصل علي أعلي الأوسمة من الأمم المتحدة ، وبفضل حسن قيادته وادائه المتميز ، جلب لبلاده الشرف العسكري والسمعة الحسنة ، وكوريا الجنوبية مازالت ممتنة حتي اليوم لإثيوبيا بفضل القوة العسكرية الإثيوبية التي قادها امان عندوم وقد تم توقيع العديد من بروتوكولات الصداقة وقيام العديد من المشاريع الكورية في إثيوبيا نتيجة لتلك الخدمات التي قدمتها القوات الإثيوبية لدولة كوريا .
كما أن الجنرال الإثيوبي امان عندوم قد برز نجمه خلال حرب الاوغادين بين إثيوبيا والصومال وقد أطلقت عليه الصحافة الإثيوبية لقب (أسد الصحراء).
وبعد الاطاحة بحكومة الأمبراطور هيلاسيلاسي في العام 1974 م ، تم اختيار امان عندوم كرئيس لمجلس الضباط الذي عرف حينها باسم (الدرق) والذي كان يقوده الثلاثي امان عندوم وتفري بنتي ومنقستو هيلا ماريام ، وقد تم اختيار امان عندوم بسبب شعبيته الهائلة داخل فرقة الجيش الثالث المتمركزة في مدينة هرر.
وكان امان عندوم معروفا بالكرم والنزاهة والعفة عن المال العام ، كما أنه كان يرفض الدماء والقتل للخصوم السياسيين ، إذ انه اختلف مع ضباط مجلس الدرق حول مصير وزراء حكومة الأمبراطور هيلاسيلاسي ، إذ رأي كل من تفاري بنتي و منقستو بضرورة إعدام الوزراء المعتقلين من أعضاء حكومة الأمبراطور هيلاسيلاسي ، وقد كان عددهم (59) وزيرا ، الا ان امان عندوم عارضهم امان حول الفكرة ورفض اعدامهم بشدة ، كما اختلف مع زملائه في قيادة المجلس حول قضايا فنية وادارية ، إذ طلب ان يقتصر المجلس علي كفاءات محددة وعدم الزج بضباط لايملكون مؤهلات عكس رغبة منقستو الذي أصر على إعدام الوزراء و تعيين ضباط أخرين بمجلس الدرق لايملكون مؤهلات إدارية وليست لديهم الكفاءة لإدارة شئون البلاد ، والنقطة الخلافية الثالثة مع مجلس الدرق كانت حول كيفية التعاطي مع جبهة التحرير الاريترية ، إذ امان عندوم قد ذهب الي اسمرا في زيارة شهيرة وتحدث الي عدد كبير من المعارضين والتقي بعض الثوار حيث اقنعهم بالابتعاد عن العنف ووعدهم بتنفيذ مطالبهم بعد عودته الي أديس أبابا .
الا ان أعضاء المجلس اعتبروا امان عندوم متواطيء مع قيادات جبهة التحرير الاريترية بحكم انه ينتمي عرقيا لإريتريا.
كل تلك الخلافات ادت لابتعاد (امان عندوم) عن اجتماعات رئاسة مجلس الدرق وفضل البقاء بمنزله متابعا لبعض القضايا بهاتف منزله فقط ، وقد اصيب وقتها بالاحباط جراء الغضب الشديد بعد اقدام ضباط الدرق علي تصفية وزراء حكومة الأمبراطور سلاسي ودفنهم في مقبرة جماعية ، وبعد ابتعاده ترك الفرصة سانحة للعقيد تفري بنتي الرجل الثاني بالمجلس للغدر به ، إذ حاصرت قوة من الجيش الإثيوبي في نوفمبر 1974 م. منزله ، وكانت مدجحة بالأسلحة الثقيلة ودبابة ، احكمت الحصار حوله وسط العاصمة أديس وبعد ساعات قليلة تم اغتياله بعد مقاومة شرسة من طرفه .
ورغم ان تفري بنتي قد اعتقد انه قدم خدمة كبيرة للكولولنيل منقستو هيلا ماريام بالتخلص من الرجل القوي والأول وقتها بالجيش الإثيوبي امان عندوم ، وأن منقستو سيحفظ له ذاك الجميل، رغم ان عدد من الضباط الموالين لامان عندوم كانوا يعلمون ان قرار التخلص من امان عندوم ليس من أفكار تفري بنتي ، بل كان نتيجة لرغبة جامحة من منقستو هايلا ماريام حققها له العقيد تفري بنتي ، وقد عرف عن الكولونيل منقستو حينها أنه الرجل المتعطش للدماء وسط أعضاء مجلس الدرق ، إذ لم يكتفي بإعدام الوزراء السابقين وتصفية امان عندوم بل تخلص كذلك من صديقه العقيد تفري بنتي بفترة قصيرة من اغتيال عندوم .
وهكذا كانت النهاية الماساوية لرجل عشق العسكرية وعاش بقلبه الكبير موزعا محبته مابين ثلاث شعوب ، إثيوبيا حيث عمل واخلص لها ، وإريتريا حيث انتمي عرقيا وحاول أن يحقن الدماء ، والسودان حيث عاش وتربي وتعلم.
وجيل الخمسينات و الستينيات بالسودان لديهم ارتباط كبير بسيرة هذا الجنرال الكبير العطرة ، فقد كان امان عندوم محبوبا لدي الشعب السوداني بدرجة كبيرة، وعاشت أسرته الكبيرة بين أحياء العمارات والديم وشارع الحرية ، وبعد مقتله حزنت عليه العديد من الأوساط السودانية وتم البكاء عليه بدموع ساخنة ، واقيمت سرادق العزاء في ضاحية الحلة الجديدة حزنا علي فقده .
وكان الجنرال صاحب نظرة بعيدة ، فبعد توتر علاقاته مع المجلس العسكري فضل الجنرال امان عندوم ان يرسل أسرته بعيدا عن أجواء أديس أبابا المتوترة وقتها.، حيث ارسلهم الي الخرطوم ، وقد عاش أطفاله في منطقة العمارات وتعلموا بمدارس الخرطوم الي فترة الثمانينيات وبعدها غادرت أسرته الي الولايات المتحدة الأمريكية.
لتنطوي صفحة خضراء مخضبة بالدم لمسيرة رجل أثيوبي وقائد عسكري فذ بالقرن الافريقي ، رجل أحب الشعب السوداني ، واحبته كذلك الأوساط السياسية والاجتماعية السودانية وحزنت لنهايته المأساوية .

،،الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ،،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  (To Type in English, deselect the checkbox. Read more here)
زر الذهاب إلى الأعلى
Lingual Support by India Fascinates